ما بعد الاستقلال وأوّل “موجة” نسوية
على الرغم من أنّ النشاط النسوي اللبناني ظهر قبل استقلال لبنان في العام 1943 بكثير، غير أنّه اكتسب زخماً بعد الاستقلال وأفسح الطريق لـ”موجاتٍ نسويةٍ” لاحقة مع فاعلين ومطالب وتكتيكاتٍ مناصرة وخطاباتٍ سياسية وزمانيّاتٍ مختلفة. تجسّدت أوّل موجةٍ نسويةٍ إلى حدٍّ كبيرٍ بفضل جهود النخبة من الرجال والنساء الذين انخرطوا في قضايا خيرية، بما في ذلك تقديم التعليم للنساء بهدف تحسين أدوارهنّ الرعائية؛ بعبارةٍ أخرى، كي يكنّ أمّهاتٍ أفضل. وقد حثّ الوصول إلى التعليم النساءَ على تأسيس جمعيّاتٍ ذات أهدافٍ وغاياتٍ متنوّعة؛ “دينية ووطنية ثقافية وعائلية“.
لكنّ حقوق النساء السياسية بقيت على رأس أولويات هذا الجيل من النسويات الرائدات، حيث ربطن استقلال البلاد بإمكانية الحصول على حقوقٍ جديدةٍ وحرّياتٍ للنساء. نتيجةً لذلك، استخدمت الحركات النسوية آنذاك خطاباً قومياً يبرِز الاستقلال بوصفه جزءاً لا يتجزّأ من هويّة المرأة. وقد أدّى هذا الربط إلى اصطفاف الأجندة النسوية مع التقاليد الأبوية والنظام الطائفي آنذاك ـ وكلاهما كانا متجذّرين بعمقٍ في المجتمع والسياسة اللبنانيين ـ والتركيز على النساء اللواتي ينتمين إلى الطبقات العليا. بتشجيعٍ من العدد المتزايد من الصحافيات، طالب هذا الجيل من الناشطات بالحقّ في التصويت والتمثيل السياسي والوصول إلى التعليم. في مواجهة المقاومة التي واجهها تقدّم حقوق النساء السياسية والاجتماعية، نزلن إلى الشارع بصحبة أقرانهنّ الذكور وباتت أنشطتهنّ الجماعية أكثر وضوحاً في العقود التالية.