الجيل الثاني من النسويات
بعد الهزيمة العربية في حرب الأيام الستة، ظهرت دورة ثانية من النسوية اللبنانية. فقد أثارت الهزيمة المخيّبة للآمال نقداً للأيديولوجيات القومية وأدّت إلى نشوء نسويةٍ يسارية. آنذاك، كانت المنظّمات النسائية في معظمها معنيةً بالعمل الإنساني الذي كانت سياسات فؤاد شهاب الإصلاحية تشجّع عليه. وعلى الرغم من الانفصال الذي حدث على المستوى التنظيمي بين المنظّمات النسائية والأحزاب السياسية، فقد بقيت المنظّمات النسائية تابعةً لأيديولوجيات الأحزاب. على سبيل المثال، كان التجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني تابعاً لمنظّمة العمل الشيوعي، وكان الاتحاد النسائي التقدّمي مرتبطاً بالحزب التقدّمي الاشتراكي.
على وجه العموم، شكّل التوتّر السياسي هذه الموجة الثانية من النسوية، ما أدّى إلى تغيّر نقطة تركيز الأجندة النسوية من حقوق المرأة إلى تخفيف تداعيات العنف السياسي في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). بالتالي، بات العمل الإغاثي وتقديم المساعدة للاجئين وضحايا الحرب نقاط تركيز نشاط المنظّمات النسائية. يعرّف دارسو الحركة النسوية اللبنانية تلك المرحلة بوصفها طوراً رجعت فيه الحركة إلى “وظائفها الرعوية” 1.
باختصار، ناضل هذا الجيل الثاني من النسويات من أجل نيل حقوقٍ سياسيةٍ موسّعة، ولاسيّما الاقتراع. غير أنّ المنظّمات النسائية لم تكن قادرةً على دعم وتشكيل القيم التي كانت تدافع عنها في خطابها الذي واصل الاصطفاف إلى جانب النظام الطائفي. علاوةً على ذلك، بقيت الهوية المؤنّثة مرتبطةً بالهوية الوطنية وبغياب التأثير في عمليات صنع القرار.